روائع مختارة | واحة الأسرة | فقه الأسرة | صوم.. مريض القلب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > فقه الأسرة > صوم.. مريض القلب


  صوم.. مريض القلب
     عدد مرات المشاهدة: 3342        عدد مرات الإرسال: 0

صوم مريض القلبسئل فضيلة المفتي جاد الحق علي جاد الحق عن صيام مريض القلب؟

فأجاب: صوم شهر رمضان من أركان الإسلام، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 183، 184].

وقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج". ولا خلاف بين المسلمين في فرض صوم شهر رمضان، ووجوب الصوم على المسلم البالغ العاقل المطيق للصوم.

فضل الصوم والرحمة الإلهية:

وقد وردت الأخبار والأحاديث الصحاح والحسان في فضل الصوم بأنه عظيم وثوابه كبير، من هذا ما ثبت في الحديث عن النبي أنه قال مخبرًا عن ربه: "يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".

وقد فضل الصوم على باقي العبادات بأمرين: أوَّلهما أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتنا ما لا يمنع منه سائر العبادات، والأمر الآخر أن الصوم سرٌّ بين الإنسان المسلم وربه لا يطلع عليه سواه؛ فلذلك صار مختصًّا به، أما غيره من العبادات فظاهر، ربما يداخله الرياء والتصنع. والعبادات في الإسلام مقصود منها تهذيب المسلم، وإصلاح شأنه في الدين والدنيا.

ومع أوامر الله تعالى ونواهيه جاءت رحمته بعباده إذا طرأ على المسلم ما يعوقه عن تنفيذ عبادة من العبادات، أو اضطر لمقارفة محرم من المحرمات فأباح ما حرم عند الضرورة، قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173].

وفي عبادة صوم رمضان بعد أن أمر بصومه بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، أتبع هذا بالترخيص بالفطر لأصحاب الأعذار.. فقال جل شأنه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. كما رخّص للمتضرر من استعمال الماء في الطهارة للصلاة بالتيمم بالتراب.

أحوال المريض في رمضان:

وللمريض في صوم شهر رمضان حالتان: الأولى أنه يحرم عليه الصوم ويجب عليه الفطر إذا كان لا يطيق الصوم بحال أو غلب على ظنه الهلاك أو الضرر الشديد بسبب الصوم.

والحالة الأخرى أنه يستطيع الصوم لكن بضرر ومشقة شديدة، فإنه يجوز للمريض في هذه الحالة الفطر، وهو مخيَّر في هذا وفقًا لأقوال فقهاء الحنفية والشافعية والمالكية. وفي فقه أحمد بن حنبل أنه يسنُّ له الفطر ويكره له الصوم. هذا إذا كان المسلم مريضًا فعلاً، أما إذا كان طبيعيًّا وظن حصول مرض شديد له، فقد قال فقهاء المالكية: إن الشخص الطبيعي إذا ظن أن يلحقه من صوم شهر رمضان أذى شديد أو هلاك نفسه، وجب عليه الفطر كالمريض.

وقال فقهاء الحنابلة: إنه يسن له الفطر كالمريض فعلاً ويكره له الصيام. وقال فقهاء الحنفية: إذا غلب على المسلم أن الصوم يمرضه يباح له الفطر.

أما فقهاء الشافعية فقد قالوا: إذا كان الإنسان طبيعيًّا صحيح الجسم وظن بالصوم حصول المرض، فلا يجوز له الفطر ما لم يشرع في الصوم فعلاً ويتيقن من وقوع الضرر منه.

من هذا يتضح أن المريض مرخَّص له في الإفطار في رمضان بالمعايير السابق بيانها. وكذلك الشخص الطبيعي إذا خاف لحوق مرض به بالصيام بالتفصيل المنوَّه عنه في أقوال فقهاء المذهب.

المرض الموجب أو المبيح للفطر:

ولكن ما هو المرض الذي يوجب الفطر أو يبيحه؟ لا جدال في أن نص القرآن الكريم الذي رخّص للمريض بالإفطار في شهر رمضان جاء عامًّا لوصف المرض؛ ولذلك اختلف أقوال العلماء في تحديده،

فقال الكثيرون: إذا كان مرضًا مؤلمًا مؤذيًا، أو يخاف الصائم زيادته أو يتأخر الشفاء منه بسبب الصوم. ولا شك أنه لا يدخل في المرض المبيح للفطر المرض اليسير الذي لا يكلفه مشقة في الصيام؛ ولذلك قال فريق من الفقهاء: إنه لا يفطر بالمرض إلا من دعته ضرورة إلى الفطر.

ومن هذا يمكن أن نقول: إن معيار المرض الموجب أو المبيح للفطر بالتفصيل السابق معيار شخصي، أي أن المريض هو الذي يقدر مدى حاجته إلى الفطر وجوبًا أو جوازًا.

وعليه أن يأخذ برأي طبيب مسلم متدين يتبع نصحه في لزوم الفطر أو أي مرض آخر، وعليه أيضًا أن يستنير برأي الطب فيما إذا كان الصوم يضره أو يستطيعه دون ضرر.

وليعلم المسلم أن الله الذي فرض الصوم رخص له في الفطر عند المرض، وإذا أفطر المريض وكان يُرجى له الشفاء قضى أيام فطره، وإن كان مرضه مزمنًا لا أمل في البرء منه، أطعم عن كل يوم مسكينًا[1].

[1] مجموعة فتاوى الأزهر 1/126.

الكاتب: الشيخ جاد الحق علي جاد الحق

المصدر: مجموعة فتاوى الأزهر 1/126